راي المسار

البرهان تمثل نذير الأيادي عوضاً عن حسرات دريد الكهل:

صوت النذير في حديث الرئيس

كلمة المسار

الشاعر الفحل لقيط بن يعمر الإيادي وهو يعمل في قصر كسرى علم أن كبير فارس يخطط لغزو قومه فبعث ينذرهم بواحدةٍ من عيون شعر العرب .. : وفيها يحذر من الإختلاف :
يا لَهفَ نَفسِيَ أَن كانَت أُمورُكُمُ
شَتّى وَأُحكِمَ أَمرُ الناسِ فَاِجتَمَعا
ويحكي ، والليلة كما البارحة الشجار بين كتلتين :
أَنتُم فَريقانِ هَذا لا يَقومُ لَهُ
هَصرُ اللُيوثِ وَهَذا هالِكٌ صَقَعا
ثم يختم وهو يراوح ما بين اليأس والرجاء :
لَقَد بَذَلتُ لَكُم نُصحي بِلا دَخَلٍ
فَاِستَيقِظوا إِنَّ خَيرَ العِلمِ ما نَفَعا
هَذا كِتابي إِلَيكُم وَالنَذيرُ لَكُم َ لمن رَأى رَأيَهُ مِنكُم وَمَن سَمِعا
والبرهان ينتخب محطة بن يعمر محاذرة أن يقود النشطاء الركب نحو حسرات دريد الصمة .
وكان دريد قد نصحه شقيقه سيد القوم عبد الله أن لا تنزل هوازن بطن ذلك الوادي خشية أن تهاجمهم عبسٍ من الأعالي ، لكن القوم خالفوه ، فانصاع لرأيهم ووقعت الواقعة واغتيل شقيقه سيد القوم .. فكتب وسالت حسراته دماً قبل الدموع :
أَمَرتُهُمُ أَمري بِمُنعَرَجِ اللِوى
فَلَم يَستَبينوا النُصحَ إِلّا ضُحى الغَدِ
تَنادوا فَقالوا أَردَتِ الخَيلُ فارِساً
فَقُلتُ أَعَبدُ اللَهِ ذَلِكُمُ الرَدي
وذلك موقف ظل يتحاشاه البرهان في كل مجمعٍ حرص أن يدعو القوم للوفاق العريض ، وأن يتمثل خلاله الفرقاء نذير الإيادي عوضاً عن حسرات دريد .
وليس من باب المصادفة ولا الكيد الرخيص أن تأتي دعوة العطا للإفطار لتجمع العسكريين بفرقاء قحت في ليلٍ رمضاني جاء تدبيره بعنايةٍ فائقةٍ ، من كيانٍ أتقن الفعلين التكتيكي والإستراتيجي منذ بواكير الكاكي بالكلية الحربية .
كما أنه ليس من باب المصادفة أو الكيد الرخيص أن يجئ حديث البرهان خلال إفطار العطا كما صوت النذير بعد أعوامٍ أربعةٍ وصفها رأس الدولة بالفشل .. بل أن المتابع لأحاديث البرهان يجدها أمام كل حشد جمعه بالعسكريين أو المدنيين منذ أن تم وضع الخطوط الرئيسية للإتفاق الاطاري يجدها هي ذاتها داعية للوفاق العريض . ظل البرهان بكامل الجرأة والجهرية رافضاً للإقصاء في موائد الحوار ، رافضاً للمحاصصات ، رافضاً لنغمة التشفي والغطرسة التي تتبناها أطراف المركزي ، داعياً للوفاق كمستحقٍ تعقبه الصناديق .
وخشية البرهان أن ينتقل المسار في ظل غطرسة قحت بدعم الدخلاء من تحذيرات لقيط بن يعمر ، نحو حسرات دريد الصمة ليست بنت اليوم ، بل أن كل مخاطباته ظلت هي صوت النذير ما قبل الكارثة وجاءت خلاصته الفيصل ؛ إن فشلنا في الوفاق والإتفاق ، “نمشي كلنا ونفسح المجال لي غيرنا” .
ولعناية البرهان نقول أن أشباه عرمان لا يهمهم دمار البلاد فقد ظلوا يحملون المعول للهدم منذ سني وجودهم مع قرنق ، هم مؤمنون بهدم السودان القديم على جماجم أهل البلد لتأسيس كيانٍ سموه السودان الجديد المنبت عن جذره .
لكن ثم مؤشرات هامة في ثنايا حديث البرهان :

  • استبدل الرجل مصطلح “الاتفاق الاطاري” بمصطلح “العملية السياسية” . وإذا كان فرقاء قحت انتهجوا ذات الاستبدال على أنه اسم “الدلع” للإطاري ، فإن البرهان يعتبره بديل الإطاري .
  • دعا الرجل لابتعاد الجميع بعد التأكيد على فشل الأعوام الأربعة الذي تتحمله ضمنياً قحت ، لكن الوحيد الذي لن يبتعد هو الجيش بحكم مسئولياته .
  • تكرر ذكر الصبر أكثر من مرة على أنه تربية الجيش وحرفته ، وكأنما أراد البرهان أن يحذر من نفاذ الصبر .
    عندئذٍ فإن لسان الحال الجمعي هو أن تذهب تلك الأقلية بخبثها ويبقى السودان لأهل السودان قاطبةً ويكفي ريفه فقط لينزل السماء قطعاً من اللهب على رؤوس من يستهدف إقصاء أهل البلاد .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى